المطلقة ونظرة المجتمع

مجد جابر
عمّان- كان الطلاقُ الخيار الوحيد أمام العشرينية سناء بعد وصولها إلى قناعة بعدم إمكانية البقاء مع زوج جعله عجزه الجنسي يُقدم على تصرفات هيستيرية، وفق تعبيرها، فالضرب كان أسلوبه الدائم للحوار، لكنّ تهديده لها بالقتل وسلبها كلَّ حرياتها سرَّعا كثيرا من عودتها إلى بيت أهلها، حاملة لقب "مطلقة".
في بيت الأهل، وجدت نفسها مسلوبة من أبسط حرياتها، فـ"واقع أنها مطلقة"، كما تقول "جعلني غير قادرة على ممارسة أبسط الحريات المتاحة لأيّ فتاة"، فلم تعد تخرج بحرّية كما كانت تفعل ذلك عند أهلها قبل زواجها، كما أنَّ التحدث إلى صديقاتها بات أمرا غير متاح دائما، بل وصل الأمر إلى التدخل بطريقة ارتدائها للملابس.
وإذ يبرِّرُ أهلها تضييقهم عليها بأنها "مطلقة وسط مجتمع لا يرحم"، تصلُ سناء إلى قناعة أن "تحمّل جحيم" طليقها كان سيكون أفضل من عيشها في "سجن كبير"، بين أهلها والمجتمع.
التطور المجتمعي لم يفلح في تبديد النظرة السلبية للمطلقة، وفي جدول حالات الطلاق التراكمية بالنسبة للزواج للعام 2008، تشير إحصاءات رسمية إلى أنه شكل ما نسبته 98.7% بين المتعلمين، مقابل 1.3% من فئة الأميين.
ويجد الباحث والمستشار في قضايا المرأة عاكف المعايطة أن "أول إحباط للمرأة يكون من قبل أهلها الذين يحثونها على تحمّل زوجها"، مبينا أن ذلك يستند إلى أن "ابنتهم إن طُلّقت فستكون عبئا أكبر عليهم".
"المشكلة تبدأ من المنزل قبل المجتمع"، بحسب المعايطة، ويستدلّ على ذلك بمنع الفتيات من تخليص أنفسهن من زواج فاشل.
وفي حال تم الطلاق، كما يبين المعايطة، يصبح هناك تحكم كبير في حياتها سواء من الأب أو الأخ أو حتى الأم المحكومة هي الأخرى بالنظرة المجتمعية السائدة، ذاهبا إلى أن الشكوك والعيب والخوف تلاحقها في بيت أهلها طوال الوقت.
14347 حالة طلاق تراكمية تم تسجيلها في المملكة العام 2008، توزعت بين 6184 من فئة الطلاق البائن بينونة صغرى قبل الدخول، مقابل 5369 حالة طلاق بائن بينونة صغرى بعد الدخول، و363 حالة طلاق بائن بينونة كبرى، إضافة إلى 2431 حالة طلاق رجعي.
ثمة مطلقات لا يستطعن إشهار حالتهن الاجتماعية درءا للنظرة المكرسة للمطلقة التي روَّجتها أعمال درامية وسينمائية عربية، والتي "وصمتها" بأنها "امرأة سهلة"، ما يجعلها "مهيأة للانحراف".
والثلاثينية رويدا تطلقت بعد خمسة أعوام من الزواج، خاضت خلالها صراعا مع طليقها على الأبناء، إثر اكتشافها خيانة زوجها لها مع سكرتيرته في العمل، وتعرضها للإهانة والضرب بشكل مستمر، لتضطر إلى اللجوء لإدارة حماية الأسرة لنيل حقها بالطلاق.
وفي الوقت الذي ظنّت فيه أن حياتها بدأت من جديد، وأنها وجدت ضالتها في العمل، اكتشفت رويدا "الواقع الأليم للمطلقة"، مصطدمة بما أسمته "واقع المجتمع الذكوري"، الذي يصوّرها على أنها فريسة سهلة يحق للجميع النيل منها؛ مثل زملائها، مديرها، أو أي من الأشخاص الذين كانت على معرفة بهم.
وتكشف عن معاناة أخرى اختبرتها بعد أن نالت لقب "مطلقة"، وهي أن علاقاتها بالنساء المتزوجات تحدّدت بـ"الحذر الشديد". وتقول "أصبحت النساء يخفنَ منّي على أزواجهنّ".
المعايطة يرى أن للمجتمع ثقافتين ينطلق منهما بالنظر إلى المطلقة، الأولى نظرة خاصة بالذكور، وهي سلبية تصوّرها على أنها "فريسة سهلة الانقياد، ما يعرضها إلى التحرشات الجنسية الدائمة"، أما الثانية، فهي من المجتمع ككل "تحاول تلخيص المرأة بمفردة مطلقة"، ما يدفع كثيرا من السيدات المتزوجات إلى الخوف من مصير "المطلقة".
المرأة حبيسة فرضية صورتها في الثقافة العربية
"نحن مجتمع ذكوري بامتياز"، يقول اختصاصي علم الاجتماع د. سالم ساري، مقرا في المقابل بأهمية المرأة في هذا المجتمع، بيد أن "الأمور حين تصل إلى التفاضل والصراع، يصبح المجتمع ذكوريا وغير مستعد للتنازل عن بعض من مرجعياته الثقافية العربية القديمة عن المرأة".
ويرى بذلك أن "المرأة هي الحبيسة المزمنة لصورتها التراثية في الثقافة العربية"، مبينا أن "النظرة السلبية للمرأة تزداد أكثر عندما يحدث الطلاق"، وأنها تبقى دائماً "مركز اتهام لأوهام المجتمع وشكوكه".
فريسة محتملة
ساري يرى أن ثمة تطورا طرأ على المجتمع في هذا المضمار، خصوصا بالنسبة إلى المرأة التي تختبر الطلاق وهي ما تزال شابّة، إذ لم تعد تحفل كثيرا بنظرة المجتمع، مبينا أن "وعيها يقودها إلى لعب دورها في المجتمع".
وفي الوقت الذي سجلت فيه الفئة العمرية 21-25 عاما، ما نسبته 17.5% من حالات الطلاق، سجلت الفئة العمرية 18-20 عاما نسبة 2%، والفئة العمرية ما دون 18 عاما 2%، يسخر ساري من الثقافة السائدة التي تحمّل المرأة دائما مسؤولية الطلاق، خصوصا في الفترة المبكرة من الزواج، مبينا أن الطلاق في هذه الفترة يعد "مشكلة شبابية يتحمّل وزرها الطرفان".
العشرينية منال تقول إنها طُلّقت بعد شهر واحد من زفافها، بالرغم من أنه "كان من المفترض بي أن أطلق منذ يوم الزفاف"، وذلك كون شريكها اعترف لها بعد انتهاء الزفاف أنه على علاقة حب بفتاة من دولة أجنبية، ما دعا أهله إلى إجباره على الاقتران بمنال خوفاً من ارتباطه بالأخرى، لكنّ ذلك لم يجعله يكفّ عن حبه لتلك الفتاة.
وتضيف أنه أخبرها منذ اليوم الأول أنها ستكون "مثل أخته"، وأنه سيوفر لها كامل احتياجاتها ومتطلباتها، ما جعلها تنهار وتسأله عن ذنبها في أن يدمر هو وأهله حياتها، لافتة إلى أنها بقيت أشهرا عدة بعد طلاقها تخضع لعلاج نفسي.
يعارض خبير مهارات الاتصال ماهر سلامة الاجتماعيين حين يقرّر أن "المطلقة تجعل من نفسها ضحية". ويؤكد أنها لا تبذل جهدا على نفسها وعلى طموحها، "وبالتالي عندما تطلق تنتهي من دون أي طموح وأي تحدّ جديد للحياة".
ويستنكر سلامة أن تعبّر المرأة عن نفسها وعن ثقتها من خلال الرجل، مبيناً أن ذلك يعود إلى إرث طويل من التربية القديمة، لافتا إلى أن هناك نساء نجحن وامتلكن حياتهن الخاصة من دون الرجل.
وفي الجهة المقابلة، يرى سلامة أن المرأة في حال لم تتزوج، فإن عقابها الاجتماعي أن تكون "امرأة منقوصة الاحترام"، ما يضطرها إلى القبول بأي زوج بغض النظر عن مدى ملاءمته لها.
ساري يرى أن النظرة العربية دائماً تحاول "تسبيب" الطلاق بـ"أوهام جنسية"، لذلك "توصم بأنها فريسة محتملة"، خصوصا أنها، في التكييف المجتمعي لوضع المطلقة، "ليس لديها ما تخسره". ويلفت إلى أن المرأة باتت تصر على أن ينظر إليها على أنها امرأة مستقرة، وأنها "لو كانت امرأة ضعيفة لاستمرّت في الزواج".
ويؤكد أن "النظرة التقليدية في تراجع كبير"، خصوصا أن المرأة باتت تمتلك خياراتها مع العديد من المنظمات المناصرة للمرأة، ومع اتفاقية (سيداو)، التي أكدت أنها متساوية تماماً مع الرجل، وقراراتها من نفسها.
المعايطة يتفق مع هذا الطرح، ويرى أن "هذه الثقافة بدأت تتغير عند بعض الناس"، مدلّلا على ذلك بوجود كثير من السيدات المطلقات الناجحات في أعمالهن، الحاصلات على درجات علمية عالية.
هناك مطلقات تبدأ حياتهن بعد الطلاق، وهناك من يستسلمن لقدرهن، على أساس أن "إزالة وصمة المرأة المطلقة ترتبط بزوج جديد"، لتشطب من جداول المطلقات، لذلك يرى ساري أن كثيرا من تأكيدات نشأتنا الاجتماعية تحض على أن تبقى المرأة كما هي في حياتها البائسة حتى لا تطلق، تطبيقا للمثل القائل "ظلّ راجل ولا ظلّ حيطة".
ويبين أن ذلك يعد ظلماً كبيراً للمرأة التي لا تعطيها الثقافة السائدة أية مساواة للرجل، مستنكرا نوعية الحياة التي ستعيشها المرأة المقهورة "التي يستباح فيها كل شيء".
وفي الوقت الذي يسفر فيه الطلاق عن علاقة متوترة وقاسية تسودها روح الانتقام، فإن أكثر المتضررين هم الاطفال.
تم تأسيس جمعية الأهالي العازبين، ويبيّن مؤسسها محمد عطية أن فكرة الجمعية جاءت لتركز على موضوع الأطفال، كون "تربية الطفل صعبة، ومتطالباتها كبيرة بوجود الأبوين، فكيف سيكون الحال بوجود أحدهما فقط؟".
ويرى أن "الانضمام تطلّب شجاعة كبيرة، خصوصا من السيدات"، اللواتي امتلكن شعورا بالظلم من المجتمع، ويواجهن صعوبات في التكيّف مع نظرة المجتمع السلبية النمطية.
الأمر، بحسب عطية، تطلّب وجود متخصصين نفسيين للتوعية والتثقيف، سواء كان ذلك للآباء والأمهات، أو للأبناء.
ونظرا إلى أن الأبناء هم أكثر المتضررين في حال حدوث الطلاق، "خصوصاً من جهة التحصيل الدراسي"، يؤكد عطية أن أحد أهم أهداف الجمعية الحد من الطلاق، لافتا إلى وجود حالات زواج عديدة تمّت من خلال الجمعية.
الطلاق ليس نهاية العالم
وكون العامل النفسي يلعب دورا كبيرا على الاطفال في نجاح وفشل العلاقة الزوجية، يرى اختصاصي الطب النفسي د. عماد الزغول ضرورة تربية الابناء في بيئة طبيعية يتوفر فيها الاب والام، مبينا أن "طلاق الأبوين يؤثّر في شخصية الأبناء، ويولد لديهم نوعا من العدوانية"، إضافة إلى كثير من المشكلات الأخرى، فضلا عن فتح الباب أمام مناكفات الزملاء، فـ"قد يعيّرهم زملاؤهم بأنهم أبناء مطلقين".
اختصاصية العلاقات الزوجية د. نجوى عارف تؤكد أن المجتمع يضع أسباب نجاح الحياة الزوجية أو فشلها على عاتق المرأة، في الوقت الذي ينبغي فيه أن يقع على عاتق الطرفين. وتقول "الطلاق معناه فشل الطرفين في التواصل".
وهي لا ترى أن ذلك يعني أنهما فاشلان، فكل طرف قد ينجح وببراعة مع شخص آخر، كون فشل العلاقة يكون سببه سوء اختيار أو سوء تكيف، وبالتالي فعند بدء الحياة مع شخص آخر، فقد يكون كل واحد منهما زوجا رائعا.
وإذا كان الزواج يعطى فترة طويلة من التفكير، تبين عارف أهمية أن يعطى قرار الطلاق فترة طويلة أيضا، وأن لا يكون قرارا في لحظة غضب أو اندفاع أو تسرّع، "خصوصا وأنه قرار له تبعيات لا تنتهي بمجرد الطلاق".
الثلاثينية ريما تقول "بعد مضي ثلاثة أعوام برفقة زوج لا يحمل أي نوع من المسؤولية والاهتمام على جميع الاصعدة المادية والنفسية والمعنوية، قررت الطلاق، وكان ذلك أصوب قرار اتخذته، ويوما بعد يوم يثبت لي ذلك".
وتضيف أنها اقترنت بعد ذلك بزوج آخر، ومن خلاله استطاعت أن تعرف ما هي الحياة الزوجية الحقيقية، عدا عن الحياة العملية التي استطاعت من خلالها أن تحقق نجاحا باهرا، ولا يكف زوجها عن دعمها فيها.
عارف ترى أن "الطلاق قرار شخصي يعتمد على شخصية الفرد ذاته". وتشرح "فتاة المدينة تختلف عن فتاة الريف التي قد تفكر مائة مرة قبل اتخاذ قرار كهذا"، مبينة أن الطلاق يعتمد على عوامل عدة كالشخصية والسّن والبيئة ووضع الأطفال والدعم الأسري والحالة الاقتصادية.
"الطلاق ليس نهاية العالم"، تقول عارف، التي تبين أنه "لا بدّ أن يكون آخر ورقة يلجأ إليها الشخص".
الطلاق أحياناً يمثّل بداية الحل لحياة الطرفين، ويؤكد المحامي والاستشاري الأسري فتحي طعامنة أن التوجه الجديد حالياً هو أنه "عندما يصل كلا الطرفين إلى قرار الطلاق، فعليهما ترتيب ما يسمى الطلاق الناجح"، بحيث يجلسان ويتفقان على كل شيء بطريقة عقلانية وناضجة، "بدلا من البهدلة والذهاب الى المحاكم وبهدلة الابناء".
ساري يؤكد أن أهم أسباب تخفيف آثار الطلاق هو إعادة ترتيب الأولويات بالنسبة للمرأة "كون الزواج ليس الأولوية المطلقة لها"، حتى "إذا صحّ، فإن الطلاق هو أولوية كذلك، لأن الاستقلالية أمر مهم".
وفي الوقت الذي يعتبر فيه الطلاق "أبغض الحلال عند الله"، يرى اختصاصي الشريعة د. حمدي مراد أن الزواج هو الميثاق الغليظ الذي لا يصح أن ينفك على الأصل، ووجدت الاحكام بحيث تحفظ الحقوق والواجبات بين الزوجين، ومع هذا فقد أجاز الله الفراق بين الزوجين كآخر حل بينهما اذا استحالت الحياة.
ويضيف أن الزوج إذا طلق ظلماً وعدواناً مقصوداً، فهو من أهل النار والزوجة كذلك، كون الطلاق تدمير لأساس المجتمع ومؤسسته الرئيسية التي هي الأسرة، لأن الاضرار لن تقف على الزوجين أو على أحدهما، إنما تمتد لتصيب الابناء إصابة بالغة، وقد تصيب علاقة الاسرتين والعشيرتين، خصوصا اذا خرج عن العدل وتقوى الله، لافتاً الى انه يبقى مباحاً للضرورة القصوى.
وأظهر التقرير تصاعدا بنسب الطلاق عاما بعد عام مقارنة بما بين الاعوام من 2004 وحتى 2008، فقد سجل العام 2004 نسبة بلغت 3.3%، مقابل 3.7% للعام 2005، و4.2% للعام 2006، و4.8% للعام 2007، بينما أظهر أن حالات الطلاق المنسوبة إلى إجمالي حالات الزواج في المملكة خلال العام 2008، سجلت ما نسبته 5.2%.
ويقول مراد إن "حالات الطلاق باتت كثيرة في المجتمعات العربية والاسلامية بشكل محزن"، مؤكدا أن "وقائع الطلاق بكثرتها وإن قبلت قضاء، فهي عند الله غير مقبولة؛ أي حرام وتدخل أصحابها النار الا بالحق والعدل".
ويلفت إلى أن "نسب الطلاق غير مبشرة في المجتمع"، خصوصاً أن "غالبيتها ظالمة، ويقع الظلم على من أقام هذا الطلاق سواء الزوج أو الزوجة".
وكون الطلاق يخلف وراءه آثارا نفسية تؤثر على جميع الاطراف من الابناء والزوجة التي يؤثر على شخصيتها وثقتها بنفسها ويحدّ من حركتها، يرى اختصاصي الامراض النفسية د. جمال الخطيب أن كل هذه الآثار سببها أن "المرأة تطلق من زوج لتجد أمامها عدة أزواج بعد الطلاق؛ الأخ والأب وزوج الأخت وابن العم.. وفي بعض الاحيان قد تكون الأم كذلك".
ويرى الخطيب أن قرار الطلاق مسألة صعبة وفي حاجة لدراسة معمّقة، بسبب التداعيات الاجتماعية المرتبطة به.
ويبين أن ثقة المرأة بنفسها تعتمد على شخصيتها أولاً وعلى قدراتها وإمكانياتها ثانياً والدعم الاجتماعي لها ثالثاً، ويرى أن "صاحبة الشخصية القوية هي أقل تأثراً بالطلاق من صاحبة الشخصية الضعيفة، وبالذات إذا كان للطلاق ما يبرره"، خصوصاً للمرأة العاملة القادرة على الإنفاق على نفسها وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وعدم اعتمادها على أي أحد، في حين تكون "المرأة غير العاملة مضطرة للعيش عالة على الآخرين والخضوع لرغباتهم وسلطتهم".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المشاهدة المنزلية في قانون الاحوال الشخصية الاردني

العنف الاسري وقانون العقوبات

زواج المسيار