ضرب الزوجه بين القانون والمجتمع

في كل مرة يضربني فيها أتحمل وأسكت من أجل أبنائي الصغار الذين لا يوجد من يعيلهم في حال تركت والدهم". بهذه الكلمات تبرر نوال بأسى تحملها للطريقة غير الإنسانية التي يتعامل فيها زوجها معها.
وحتى عندما خلّف ضربه لها كدمات وآثارا مؤسفة على أماكن مختلفة من جسدها، فإن ردها الوحيد إضافة إلى الصمت، كان البقاء في المنزل بعيدا عن نظرات الشفقة أو التساؤل أو الفضول من قبل الأهل والأقارب والصديقات.
ضرب نوال من قبل زوجها، لا يحتاج، كما تكشف، لأسباب وجيهة أو دوافع منطقية، يكفي أي سبب حتى ولو كان سخيفا، ليختم سهرة آخر الليل مع أصدقائه وعودته (المخمورة) إلى بيته بضربها، ليعبر بطريقة بدائية عن رجولة زائفة بحسب علماء اجتماع.
اختصاصي علم الاجتماع د. حسين الخزاعي يرجع سبب اعتداء الزوج على الزوجة وضربها، إلى التنشئة الاجتماعية الأسرية التي تربي الابناء في الإطار المحلي على الفتوة والرجولة وبأنهم مصدر الرزق والرعاية، وبأن الفتاة بحاجة الى الحماية والرعاية ككيان تابع للرجل.
وحال نوال لا تختلف كثيرا عن حال بسمة التي بدأ زوجها بضربها منذ أن ترك عمله وجلس في المنزل. ورغم فداحة ما يرتكبه بحقها، إلا أن والدتها، كما تورد، تحضها على تحمله، فهو أبو أولادها ورجلها ولا بد من تحمله "وما حدا تعرض للضرب قدنا زمان".
بسمة تصرخ بأنها لم تعد قادرة على تحمله، فهي تشعر بأنها امرأة بلا كرامة خصوصاً عندما يضربها أمام أبنائها الذين يبدأون بالبكاء.
الخزاعي يحمل الموروث الاجتماعي الخاطئ، مسؤولية ما تتعرض له بعض النسوة من ضرب وإهانة ومساس بمكانتهن الاجتماعية والإنسانية. ويستشهد في هذا السياق بوصايا الأم لابنتها قبل الزواج وأثناء فترة الخطوبة، وهي الوصايا الغارقة بثقافة التحمل والانحياز للرجل صاحب الحق في كل ما يفعله، والمعززة داخل وجدان المرأة (المحقوقة) دائما، ثقافة الخوف من المستقبل.
الخزاعي يتطرق هنا إلى فهم الناس الخاطئ لكلمة "واضربوهن" في الآية القرآنية. وهو الحل الذي يجيز الإسلام استخدامه بعد تعذر الحلول الأخرى جميعها، كما أنها فسحة يجيزها الشرع، بحسب الخزاعي، في حالات خاصة جدا كنشوز الزوجة أو خروجها الكامل عن طاعة الزوج، وإدارة ظهرها لمختلف الحقوق الزوجية وعقوقها.
الخزاعي يؤكد ضرورة محاربة الظاهرة بشتى الطرق وتفعيل مختلف مؤسسات المجتمع المدني والمساجد ودور العبادة لتوجيه الناس، مبيناً أن من يدفع ثمن الضرب هم الاطفال و"الأب الذي يمارس العنف داخل الاسرة يقدم للمجتمع أبناء عنيفين".
اختصاصية العلاقات الاسرية د. نجوى عارف توافق الخزاعي الرأي، وترى أن الابناء الذين يفرض عليهم أن يكونوا شهودا متألمين على ضرب والدهم لوالدتهم هم الضحية الكبرى.
عارف تتألم لحال الشاب الذي "يرى أمه تضرب ولا يستطيع الدفاع عنها، ما يقتل عنده حس الرجولة ولا يتوقع منه أن يحمي بلده وأسرته ولا يطلب منه أن يكون عنده كرامة وعزة نفس وأن يكون ذا تحصيل دراسي عال، بالاضافة الى أنه يفقد الاحساس بالأمان ويبحث عنه في مكان آخر".
سالم (44 عاما) يقول "النسوان ما بيجوا إلا بالضرب"، مبينا أن هذا لا يعني أن يتم ضربها في كل الاوقات، الا أنه في بعض الامور هناك ما يستلزم الضرب حتى يتم تأديبها وعدم تجاوزها حدودها، موضحاً أن الاسلام أباح ذلك في مواقف معينة.
ويخالفه الرأي المهندس محمود، الذي يرى أنه لا يوجد ما يسمح للرجل ضرب زوجته والمس بكرامتها، ويشير الى عدة طرق للتفاهم وحل النزاعات بينهما دون اللجوء الى الضرب، مبيناً أن الاسلام حث على التعامل برفق مع النساء وليس ضربهن.
وبحسب احصائية صادرة عن إدارة حماية الأسرة، بلغ مجموع قضايا الاعتداءات الجسدية على النساء في الفترة 2003-2008 ما يقارب 1099 حالة.
المحامي عاكف المعايطة، الناشط في حقوق المرأة، يكشف أن معظم حالات العنف التي يتعامل معها تتعلق بضرب رجل لزوجته "وأحياناً كثيرة تأتي الزوجة وآثار الضرب على وجهها وجسدها". ومعظم الشكاوى، كما يوضح المعايطة، تفضح حالات ضرب ليست لها علاقة بمفهوم التأديب، بل "ضرب مبرح غير مقبول لا إنسانيا ولا أخلاقيا ولا قانونيا، وحتى الضرب التأديبي غير مسموح به بأية حال من الاحوال".
المعايطة يكشف أيضا عن أن نسب الضرب مرتفعة جدا محليا، وأن معظم قضايا النفقة ترفعها الزوجات نتيجة تعرضهن للضرب والايذاء.
المعايطة يذكر أسلوبين يمكن أن تواجه الزوجة من خلالهما قضية ضرب زوجها لها: إما الحصول على تقرير طبي وتحويله إلى حماية الأسرة ومن ثم الى المحكمة الجزائية "إلا أن أكثر السيدات وبعد أن تصل القضية الى المحكمة تسقط حقها نتيجة تدخل الأهل وثقافة التسامح والعادات الاجتماعية السائدة، ما يتيح للرجل معاودة ضربها ثانية".
أو تركها للبيت بمجرد تعرضها للضرب ورفع دعوى شقاق ونزاع.
أستاذ علم الشريعة د. منذر زيتون يشير في ندوة عقدت مؤخرا في "الغد" إلى أن بعض الناس يهولون الحديث عن هذه النقطة، وموضوع الضرب، بحسب زيتون "ورد في موضعين؛ مرة في القرآن وأخرى في السنة، ومع ذلك، بعض الناس يعده مأخذا، رغم أنها جاءت لتضع حدا لعنف عظيم، كانت تعامل به المرأة التي كانت تباع وتشترى وتطلق مائة مرة، وكان الإنسان يتزوج مائة مرة، وحتى هذه القضية لم تكن عند العرب والجاهليين فقط، بل عند الإنجليز، ففي العام 1905 كان القانون الإنجليزي يبيح بيع المرأة بستة فرنكات، وفي اليونان ناقشوا فكرة أن المرأة هي مسخ من الشيطان".
زيتون يذهب في سياق حديثه إلى أن الشريعة الإسلامية جاءت لتخفيف الضغط عن المرأة. ويواصل مداخلته قائلا: "يجب أن تكون الأسر أبعد ما يمكن عن العنف والجريمة، ولذلك فما يقع من عنف بين أفراد الأسرة مرفوض ابتداء، فإن أفضى إلى ضرر مادي أو معنوي، فإنه يخرج عن نطاق وصفه عنفا فحسب، بل ويدخل عندها في نطاق الجريمة، ويجب إذ ذاك التعامل معه على أنه جريمة تستوجب العقوبة".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المشاهدة المنزلية في قانون الاحوال الشخصية الاردني

العنف الاسري وقانون العقوبات

زواج المسيار